كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


قال حجة الإسلام في الجواهر عمدة الطريق الملازمة والمخالفة، فالملازمة لذكر اللّه والمخالفة لما يشغل عنه وهذا هو السفر إلى اللّه وليس في هذا السفر حركة من جانب المسافر ولا المسافر إليه ولا هما معاً، أما سمعت ‏{‏ونحن أقرب إليه من حبل الوريد‏}‏ بل الطالب والمطلوب كصورة حاضرة مع مرآة لكن لا تنجلى على المرآة لصدأ في وجهها، فمتى صقلت تجلت فيها الصورة لا بارتحال الصورة إلى المرآة ولا بحركة المرآة إلى الصورة بل بزوال الحجاب، فاللّه سبحانه متجل بذاته لا يخفى إذ يستحيل اختفاء النور وبالنور يظهر كل خفي ‏{‏اللّه نور السماوات والأرض‏}‏ وإنما خفي النور على الحدقة لكدورة في الحدقة أو لضعف فيها لا تطيق احتمال النور العظيم الباهر كما لا تطيق نور الشمس أبصار الخفافيش فما عليك إلا أن تشفي عن قلبك كدورته وتقوي حدقته فإذا هو فيها كالصورة في المرآة حتى إذا عاقصك تجليه ولم تثبت قدمك فيه بادرت وقلت أنا فيه وأنا الحق سبحاني وقد تدرع باللاهوت ناسوتي إلا أن يثبتك اللّه بالقول الثابت فتعرف أن الصورة ليست في المرآة بل تجلت لها وما حلت فيها ولو حلت لما تصور أن تتجلى صورة واحدة لمزايا كثيرة في حالة واحدة بل كان إذا حلت في مرآة ارتحلت عن غيرها، وهيهات فإنه تعالى يتجلى لجملة من العارفين دفعة نعم يتجلى في بعض المرايا أصح وأظهر وأقوم وأوضح، وفي بعضها أخفى أميل إلى الاعوجاج عن الاستقامة وذلك بحسب صفايا المرايا وصقالتها وصحة استدارتها واستقامة بسط وجهها، ولذا قال في الخبر إن اللّه يتجلى للناس عامة ولأبي بكر خاصة، ومعرفة السلوك والوصول إليه بحر عميق‏.‏

- ‏(‏ت ن ك عن عمرو بن عبسة‏)‏ بموحدة ومهملتين مفتوحتين‏.‏ قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي وصححه الترمذي والبغوي‏.‏

1350 - ‏(‏أقروا الطير على مكناتها‏)‏ بفتح الميم وكسر الكاف وشد النون أو تخفف جمع مكنة‏:‏ أي أقروها في أوكارها ‏[‏ص 70‏]‏ فلا تنفروها عن بيضها ولا تزعجوها عنه ولا تتعرضوا لها، فالمراد‏:‏ أماكنها، من قولهم‏:‏ الناس على مكاناتهم أي منازلهم ومقاماتهم، أو جمع مكنة بضم الميم والكاف بمعنى التمكن‏:‏ أي أقروها على كل مكنة ترونها عليها ودعوا التطير بها، كان أحدهم إذا سافر نفر طيراً، فإن طار يميناً تفاءل وإن طار شمالاً تشاءم ورجع‏.‏

- ‏(‏د‏)‏ في العقيقة ‏(‏ك‏)‏ في الذبائح من حديث سباع بن ثابت ‏(‏عن أم كرز‏)‏ بضم فسكون الكعبية الخزاعية المكية الصحابية، قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي في التلخيص لكنه في الميزان قال سباع لا يكاد يعرف وأورد له هذا الخبر‏.‏

1351 - ‏(‏أقسم الخوف‏)‏ أي حلف‏.‏ والخوف فزع القلب من مكروه يناله أو محبوب يفوته كما مر وهو قسم بلسان الحال فهو من الإسناد المجازي على وجه الاستعارة ‏(‏والرجاء‏)‏ ثقة الموجود بالكريم الودود أو رؤية الجلال بعين الجمال أو قرب القلب من ملاطفة الرب تبارك وتعالى أو غير ذلك ‏(‏أن لا يجتمعا في أحد في الدنيا‏)‏ بتساو أو تفاوت ‏(‏فيربح‏)‏ بالفتح في القاموس راحت الريح الشيء تراحه أصابته ‏(‏ريح النار‏)‏ لأنه على سنن الاستقامة ومن كان منهجه منهجاً فجزاؤه النعيم الدائم والسعد القائم ‏(‏ولا يفترقا في أحد في الدنيا فيربح ريح الجنة‏)‏ حين يجد ريحها من اجتمع فيه الخوف والرجاء لأن انفراد الخوف يقتضي القنوط وانفراد الرجاء لا يأمن المكر صاحبه فلا بد للسعادة من اجتماعهما ولذا قيل‏:‏ الخوف والرجاء كالجناحين للسير إلى اللّه تعالى فلا يمكن السير إلا بهما‏.‏ قال الغزالي‏:‏ وإذا كان مدار العبودية على أمرين القيام بالطاعة والانتهاء عن المعصية وذا لا يتم مع هذه النفس الأمارة إلا بترغيب وترهيب فإن الدابة الحرون تحتاج إلى قائد يقودها وسائق يسوقها، وإذا وقفت في مهواة ربما تضررت من جانب ويلوح لها بالشعير من جانب حتى تنهض وتخلص، فكذا النفس دابة حرون وقعت في مهواة الدنيا، فالخوف سوطها وسائقها، والرجاء شعيرها وقائدها، فلذا يلزم العبد أن يشعر النفس بالخوف والرجاء وإلا فلا تساعده النفس الجموح على الطاعة، فعليك بالتزام هذين معاً يسهل عليك احتمال المشقة، ولكن ينبغي غلبة الخوف على الرجاء في الصحة ليكثر العمل، وفي المرض عكسه، لأن الوفادة إلى ملك كريم ورب رؤوف رحيم‏.‏

- ‏(‏هب‏)‏ عن واثلة بكسر المثلثة ‏(‏بن الأسقع‏)‏ بفتح الهمزة وسكون المهملة وفتح القاف‏.‏ وروى نحوه الترمذي والنسائي وابن ماجه عن أنس ولفظهم‏:‏ دخل النبي صلى اللّه عليه وسلم على شاب وهو في الموت فقال كيف تجدك‏؟‏ فقال أرجو اللّه وأخاف ذنوبي، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ لا يجتمعان في قلب مؤمن في هذا الموطن إلا أعطاه اللّه ما يرجو وأمّنه مما يخاف‏.‏

1352 - ‏(‏اقضوا اللّه‏)‏ حقه اللازم لكم من الفروض وغيرها ‏(‏فاللّه أحق بالوفاء‏)‏ له بالإيمان والطاعة وأداء الواجبات وللوفاء بهما عرض عريض، فأول مراتبه الإتيان بكلمتي الشهادة وآخرها الاستغراق في بحر التوحيد بحيث يغفل عن نفسه فضلاً عن غيره، وهذا التقدير لا يعكر عليه خصوص السبب الآتي لما عرف أن العبرة بعموم اللفظ‏.‏

- ‏(‏خ عن ابن عباس‏)‏ قال جاءت امرأة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالت إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها‏؟‏ قال‏:‏ حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته‏؟‏ ثم ذكره‏.‏

1353 - ‏(‏أقطف القوم دابة أميرهم‏)‏ أي هم يسيرون بسير دابته فيتبعونه كما يتبع الأمير، أو المراد أن الأمير كثير الرفقة ‏[‏ص 71‏]‏ المقدم فيهم أن يقارب خطو دابته فيكون بين البطء والإسراع لئلا ينقطع الضعيف والعاجز في السير‏.‏ في النهاية القطاف‏:‏ تقارب الخطى في سرعة من القطف وهو القطع‏.‏ وفي المصباح‏:‏ قطف الدابة أعجل مسيره مع تفاوت الخطى، وفيه تنبيه على الإرشاد إلى رفق التابع بالمتبوع ورعاية حاله في السير وغيره‏.‏

- ‏(‏خط معاوية بن قرة‏)‏ بضم القاف وشد الراء‏:‏ ابن إياس - بكسر الهمزة وفتح التحتية مخففة - ابن هلال المزني البصري ‏(‏مرسلاً‏)‏ كان عالماً عاملاً، ولد يوم الجمل ومات سنة ثلاث عشرة ومئة‏.‏

1354 - ‏(‏أقل ما يوجد في أمتي في آخر الزمان درهم حلال وأخ‏)‏ يعني صديق، وفي رواية أو أخ ‏(‏يوثق به‏)‏ وقد وجد ذلك في هذا الزمان وقبله بعصور‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ والصديق هو الصادق في ودادك الذي يهمه ما أهمك، وهو أعز من بيض الأنوق‏.‏ وعن بعض الحكماء أنه سئل عن الصديق فقال اسم لا معنى له حيوان غير موجود، وقال‏:‏

بمن يثق الإنسان فيما ينوبه * ومن أين للبحر الكريم صحاب

وقد صار هذا الناس إلا أقلهم * ذئاباً على أجسادهن ثياب

وقال الماوردي‏:‏ قال الكندي‏:‏ الصديق إنسان هو أنت إلا أنه غيرك‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ جربت الإخوان فرأيت بعضهم كعقرب وبعضهم كحية وبعضهم كسبع وبعضهم كذئب وغيرها من أضاف القواتل، فمن لادغ أي قاتل مع لين ملمسه كالحية ومن لاسع كعقرب‏.‏ ومن مراوغ كثعلب، ومن مهارش ككلب، ومن مختال كذئب، ومن مختال كفهد، ومن غبي كدب، ومن شديد الغضب والبأس كأسد، ومن بليد كحمار، ومن حقود كجمل، وما أمثل نفسي بينهم إلا كفرخ بلا ريش أو كطير بلا جناح وهم يتساقطون عليّ بالأذى كتساقط الذباب على العسل والكلاب على الجيفة‏.‏ وما أحسن قول الطغرائي في لاميته عفي عنه‏:‏

أعدي عدوك أدنى من وثقت به * فحاذر الناس واصحبهم على دخل

فإنما رجل الدنيا وواحدها * من لا يعول في الدنيا على رجل

إلى آخر ما قال، وللّه در الواسطى حيث يقول‏:‏

دع الناس طراً واصرف الود عنهم * إذا كنت في أخلاقهم لا تسامح

ولا تبغ من دهر تكاثف زيغه * صفاء بنيه فالطباع جوامح

وشيئآن معدومان في الأرض درهم * حلال، وخل في الحقيقة ناصح

ولهذا قال هشام بن عبد الملك ما بقي علي شيء من لذات الدنيا إلا نلته إلا شيئاً واحداً ‏:‏ أرفع مؤنة التحفظ بيني وبينه‏.‏ أخرج ابن عساكر في تاريخه قال رجاء بن حيوة‏:‏ من لا يؤاخ إلا من لا عيب قيه قل صديقه، ومن لم يرض من صديقه إلا بالإخلاص له دام سخطه، ومن عاتب إخوانه على كل ذنب كثر عدوه‏.‏

- ‏(‏عد وابن عساكر‏)‏ في تاريخه ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب قال ابن الجوزي‏:‏ هذا لا يصح، قال يحيى‏:‏ يزيد بن سنان أحد رجاله غير ثقة، وقال النسائي متروك الحديث‏.‏ اهـ‏.‏ ومن ثم رمز المصنف لضعفه‏.‏

1355 - ‏(‏أقل أمتي أبناء السبعين‏)‏ أي البالغين من أمتي هذا القدر من العمر هم أقلهم، فإن معترك المنايا ما بين الستين والسبعين فمن جاوز السبعين كان من الأقلين‏.‏ قال الحكيم‏:‏ هذا من جملة رحمة اللّه على هذه الأمة وعطفه عليهم أخرهم في الأصلاب حتى أخرجهم إلى الأرحام بعد نفاذ الدنيا ثم قصر أعمارهم لئلا يلتبسوا بالدنيا إلا قليلاً ولا يتندسوا، فإن القرون الماضية كانت أعمارهم وأجسادهم على الضعف منا، كان أحدهم يعمر ألف سنة وجسمه ثمانون باعاً فيتناولون الدنيا ‏[‏ص 72‏]‏ بمثل هذه الصفة على مثل تلك الأجساد وفي مثل تلك الأعمار، فأشروا وبطروا واستكبروا فصب اللّه عليهم سوط عذاب ‏{‏إن ربك لبالمرصاد‏}‏‏.‏

- ‏(‏الحكيم‏)‏ الترمذي ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ وفيه محمد بن ربيعة أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال لا يعرف، وكامل أبو العلاء خرجه ابن حبان‏.‏

1356 - ‏(‏أقل أمتي الذين يبلغون السبعين‏)‏ كذا هو في النسخ المتداولة بتقديم السين‏.‏ قال الهيثمي ولعله التسعين بتقديم التاء‏.‏

- ‏(‏طب‏)‏ وكذا الديلمي ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب وفيه سعيد بن راشد السماك، قال الذهبي في الضعفاء، قال النسائي متروك‏.‏

1357 - ‏(‏أقل الحيض ثلاث‏)‏ بغير تاء لحذف المعدود ‏(‏وأكثره عشرة‏)‏ وبهذا قال سفيان الثوري، قال الحراني‏:‏ الحيض معاهدة اندفاع الدم العفن الذي هو في البدن بمنزلة القول والعذرة في فضلة الطعام والشراب من الفرج‏.‏

- ‏(‏طب عن أبي أمامة‏)‏ وفيه أحمد بن بشير الطيالسي، قال في الميزان لينه الدارقطني والفضل بن غانم قال الذهبي قال يحيى ليس بشيء ومشاه غيره، والعلاء بن الحارث قال البخاري منكر الحديث‏.‏

1358 - ‏(‏أقل‏)‏ وفي رواية أقلل، أمر بالتقليل قل الشيء يقل قلة‏:‏ إذا صار قليلاً وأقله غيره يقله‏:‏ إذا جعله قليلاً ‏(‏من الذنوب‏)‏ أي من فعلها ‏(‏يهن عليك الموت‏)‏ فإن شدائد الموت قد تكون بكثرة الذنوب وأنت إذا أقللت منها استنار قلبك ودعيت إلى الخدمة وصلحت للمناجاة فتذوق لذة العبادة فتبلغ مرتبة القرب وتفاض عليك الخلع والكرامات فتصير بشخصك في الدنيا وقلبك في العقبى فتنظر البريد يوماً فيوماً حتى تمل الخلق وتستقذر الدنيا وتحن إلى الموت وفي التعبير بأقل إشارة إلى أن الترك وظيفة المعصوم ومن على قدمه، ثم لا يعارض عموم هذا ما سيأتي لو أن العباد لم يذنبوا لخلق اللّه خلقاً يذنبون، الحديث‏.‏ لعدم دلالته على عدم إتيانه مع قصد ترك القنوط ‏(‏وأقل من الدين‏)‏ بقرض أو غيره ‏(‏تعش حراً‏)‏ أي لا ولاء عليك لأحد وتنجو من رق صاحب الحق والتذلل له فإن له مقالاً وتحكماً، أو حراً من الطبع في مواساة الناس بما يقضي عنك أو بما يشفع في إمهالك والطمع رق عاجل سيما إن كان في غير مطمع، وعبر بالإقلال دون الترك لأنه لا يمكن غالباً التحرز عن الاستدانة بالكلية، قال الراغب‏:‏ والحرية ضربان الأول من لم يجر عليه حكم السبي نحو الحر بالحر، والثاني من لم يتملكه قواه الذميمة من الحرص والشره على الأمور الدنيوية وإلى العبودية التي تضاد ذلك، ومن ثم قيل عبد الشهوة أذل من عبد الرق‏.‏

- ‏(‏هب‏)‏ وكذا القضاعي ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ ابن الخطاب، قال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو يوصي رجلاً وهو يقول أقل إلى آخره‏.‏ وظاهر صنيعه أن مخرجه البيهقي خرجه ساكتاً عليه والأمر بخلافه بل تعقبه بما نصه‏.‏ في إسناده ضعيف‏.‏ اهـ‏.‏ فاقتصار المصنف على عزوه له وحذفه من كلامه ما عقبه به من بيان علته غير مرضي، وإنما ضعفوا إسناده لأن فيه محمد بن عبد الرحمن السلماني عن أبيه وقد ضعفهما الدارقطني وغيره‏.‏ وقال ابن حبان يروي عن أبيه نسخة كلها موضوعة‏.‏ اهـ‏.‏ ومن ثم رمز المصنف لضعفه، وأورده ابن الجوزي بلفظ‏:‏ أقل من الدين تعش حراً، وأقل من الذنوب يهن عليك الموت، وانظر في أي نصاب تضع ولدك فإن العرق دساس وقال حديث لا يصح‏.‏

1359 - ‏(‏أقل‏)‏ ندباً وإرشاداً ‏(‏الخروج‏)‏ أي من الخروج من محلك ‏(‏بعد هدأة‏)‏ بفتح فسكون ‏(‏الرجل‏)‏ بكسر فسكون‏:‏ أي بعد سكون الناس عن المشي في الطريق ليلاً، والهدوء السكون ‏(‏فإن للّه تعالى دواب ينبثهن‏)‏ أي يفرقهن وينشرهن ‏[‏ص 73‏]‏ ‏(‏في الأرض تلك الساعة‏)‏ أي بالليل فإذا خرجتم تلك الساعة فإما أن تؤذوهم أو يؤذوكم‏:‏ أي يؤذي بعضكم بعضهم وبعضهم بعضكم، فالأحوط الأسلم الكف عن الانتشار ساعتئذ‏.‏ وعبر بقوله أقل دون لا تخرج إشارة إلى أن الخروج لما لابد منه مأذون فيه، فالمأمور بالكف عنه ما عنه بد فحسب‏.‏

- ‏(‏ك‏)‏ في الأدب ‏(‏عن جابر‏)‏ وقال على شرط مسلم وأقره الذهبي ورواه عنه أيضاً أحمد وأبو داود‏.‏

1360 - ‏(‏أقل الدخول على الأغنياء‏)‏ بالمال ‏(‏فإنه‏)‏ أي إقلال الدخول عليهم ‏(‏أحرى‏)‏ أي أجدر وأليق ‏(‏أن لا تزدروا‏)‏ وتحتقروا وتنتقصوا ‏(‏نعم اللّه عز وجل‏)‏ التي أنعم بها عليكم لأن الإنسان حسود غيور بالطبع، فإذا نظر إلى ما منَّ اللّه به على غيره حملته الغيرة والحسد والكفران والسخط وعبر بأفلوا دون لا تدخلوا لأنه قد تدعو إلى الدخول حاجة ولهذا قال ابن عون‏:‏ صحبت الأغنياء فلم أر أحداً أكثرهما مني‏.‏ أرى دابة خيراً من دابتي، وثوباً خيراً من ثوبي، وصحبت الفقراء فاسترحت‏.‏ وفي الحديث ندب التقليل من الدنيا والاكتفاء بالقليل كما كان عليه السلف، ومن مفاسد مخالطة الأغنياء الاستكثار من الدنيا والتشبه بهم في جمع الحطام والاشتغال بذلك عن عبادة الرب المالك‏.‏

- ‏(‏حم د ن عن عبد اللّه بن الشخير‏)‏ بكسر الشين وشد الخاء المعجمتين‏:‏ ابن عوف العامري صحابي من مسلمة الفتح ورواه عنه أيضاً باللفظ المذكور الحاكم وصححه وأقرّه الذهبي، لكن جابر بن يزيد أحد رجاله، قال أبو زرعة‏:‏ لا أعرفه‏.‏

1361 - ‏(‏أقلي‏)‏ خطاب لعائشة، والحكم عام ‏(‏من المعاذير‏)‏ أي لا تكثري من إبداء الأعذار لمن تعتذرين إليه لأنه قد يورث ريبة أو تهمة أو يجدد حادثاً، كما أن المعتذر إليه لا ينبغي أن يكثر من العتاب كما قيل‏:‏

إلى كم يكون العتب في كل ساعة * ولم لا تملين القطيعة والهجرا

رويدك إن الدهر فيه كفاية * لتفريق ذات البين فانتظر الدهرا

‏(‏فإن قلت‏)‏ لم قال أقلي ولم يقل لا تعتذري ‏(‏قلت‏)‏ لما أن ترك الاعتذار بالكلية غير لائق لما فيه من الاستهانة بشأن الصديق وقلة المبالاة به، ومن ثم قالت الحكماء‏:‏ ترك الاعتذار دليل على قلة الاكتراث بالصديق، فأشار إلى أن الأولى التوسط بين حالتي تركه وفعله‏.‏

- ‏(‏فر عن عائشة‏)‏ رمز المصنف لضعفه، ووجهه أن فيه محمد بن عمار بن حفص قال الذهبي لينه البخاري وحارثة بن محمد تركوه‏.‏

1362 - ‏(‏أقم الصلاة‏)‏ عدل أركانها واحفظها عن وقوع زيغ في أفعالها من أقام العود إذا قومه، وقامت السوق ‏(‏وأد الزكاة‏)‏ إلى مستحقيها ‏(‏وصم رمضان‏)‏ حيث لا عذر من مرض أو سفر ‏(‏وحج البيت‏)‏ الكعبة ‏(‏واعتمر‏)‏ أي ائت بالعمرة إن استطعت إلى ذلك سبيلاً ‏(‏وبرّ والديك‏)‏ أي أحسن إليهما وأمّك آكد ‏(‏وصل رحمك‏)‏ أي قرابتك وإن بعدت ‏(‏وأقر - في المصباح قريت الضيف أقريه من باب رمي قرى بالكسر والقصر اهـ- الضيف‏)‏ الذي نزل بك ‏(‏وأمر بالمعروف‏)‏ أي بما عرف من الطاعة والدعاء إلى التوحيد والأمر بالعبادة والعدل ‏(‏وانه عن المنكر‏)‏ ‏[‏ص 74‏]‏ أي ما أنكره الشرع من المعاصي والفواحش ‏(‏وزل مع الحق حيث زال‏)‏ أي در معه كيفما دار وفيه حجة لمن ذهب لوجوب العمرة‏.‏

- ‏(‏تخ ك‏)‏ في البر والصلة ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ قال الحاكم صحيح واغترّ به المصنف فرمز لصحته وما درى أن الذهبي ردّ على الحاكم تصحيحه بأن فيه محمد بن سليمان بن مسمول ضعيف‏.‏

1363 - ‏(‏أقيلوا‏)‏ أيها الأئمة‏:‏ من الإقالة، وهي الترك ‏(‏ذوي الهيئات‏)‏ جمع هيئة، قال القاضي‏:‏ وهي في الأصل صورة أو حالة تعرض لأشياء متعددة فتصير بسببها مقول عليها أنها واحدة ثم أطلق على الخصلة فيقال لفلان هيئات أي خصال، والمراد هنا أهل المروءة والخصال الحميدة التي تأتي عليهم الطباع وتجمع بهم الإنسانية والألفة أن يرضوا لأنفسهم بنسبة الفساد والشر إليها ‏(‏عثراتهم‏)‏ زلاتهم‏:‏ أي ذنوبهم‏.‏ وهل هي الصغائر أو أول زلة ولو كبيرة صدرت من مطيع‏؟‏ وجهان للشافعية وكلام ابن عبد السلام مصرح بترجيح الأول، فإنه عبر بالصغائر، ويقال لا يجوز تعزير الأولياء على الصغائر، وزعم سقوط الولاية بها جهل قبيح، ونازعه الأذرعي بما ليس بصحيح ‏(‏إلا الحدود‏)‏ أي إلا ما يوجب الحدود، إذا بلغت الإمام وإلا الحقوق البشرية فإن كلاً منهما يقام فالمأمور بالعفو عنه هفوة أو زلة لا حدّ فيها وهي من حقوق الحق فلا يعزر عليها وإن رفعت إليه‏.‏ نعم يندب لمن جاءه نادم أقرّ بموجب حد أن يأمره بستر نفسه ويشير إليه بالكتم كما أمر المصطفى صلى اللّه عليه وسلم ماعزاً والغامدية، وكما لم يستفصل من قال‏:‏ أصبت حداً فأقمه علي‏.‏ قال البيضاوي‏:‏ وقوله إلا الحدود إن أريد بالعثرات صغائر الذنوب وما يندر عنهم من الخطايا، فالاستثناء منقطع، أو الذنوب مطلقاً وبالحدود ما يوجبها فالاستثناء متصل‏.‏ وخرج بذوي الهيئات من عرف بالأذى والعناد بين العباد فلا يقال له عثار بل تضرم عليه النار‏.‏

- ‏(‏حم خدد‏)‏ وكذا النسائي كلهم ‏(‏عن عائشة‏)‏ قال المنذري‏:‏ وفيه عبد الملك بن زيد العدوي ضعيف، وقال ابن عدي‏:‏ الحديث منكر بهذا الإسناد‏.‏ قال أعني المنذري‏:‏ وروي من أوجه أخر ليس منها شيء يثبت‏.‏ وقال في المنار في إسناد أبي داود انقطاع وأطال في بيانه‏.‏ والحاصل أنه ضعيف وله شواهد ترقيه إلى الحسن، ومن زعم وضعه كالقزويني أفرط أو حسنه كالعلائي فرط‏.‏

1364 - ‏(‏أقيلوا‏)‏ أيها الحكام وأصحاب الحقوق ندباً ‏(‏السخي‏)‏ أي الكريم الذي لا يعرف الشر كما أشار إليه نص الشافعي رضي اللّه عنه ‏(‏زلته‏)‏ الواقعة منه على سبيل الندور ‏(‏فإن اللّه آخذ بيده‏)‏ أي ملاحظ له بالرحمة والعطف ‏(‏كلما عثر‏)‏ بعين مهملة ومثلثة زل يقال للزلة عثرة لأنها سقوط في الإثم‏.‏ وفي إفهامه أن البخيل لا تقال عثرته وأن الظالم بوضع المنع موضع البر لا يأخذ الكريم بيده إذا عثر بل يرديه في النار ‏{‏وما للظالمين من أنصار‏}‏ ‏(‏الخرائطي في مكارم الأخلاق‏)‏ أي في كتابه المؤلف في ذلك ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ قال الحافظ العراقي‏:‏ ليث بن سليم مختلف فيه ورواه الطبراني وأبو نعيم من حديث ابن مسعود بنحوه بسند ضعيف رواه ابن الجوزي في الموضوع من طريق الدارقطني اهـ‏.‏ وفي الميزان لا يصح في هذا شيء‏.‏

1365 - ‏(‏أقيموا‏)‏ وجوباً ‏(‏حدود اللّه‏)‏ أيها الحكام إذا بلغتكم وثبت مقتضيها لديكم ‏(‏في البعيد والقريب‏)‏ في القوي والضعيف، وأبعد من قال البعد والقرب في النسب ‏(‏ولا تأخذكم في اللّه لومة لائم‏)‏ عطف على أقيموا تأكيداً للأمر ويجوز كونه خبراً بمعنى النهي سواء كان في الغزو أم غيره ويكفي العموم حجة، ومن خص الغزو طولب بحجة فالواجب علينا أن نتصلب في دين اللّه ونستعمل الجدّ والمتانة فيه ولا يأخذنا اللين والهوان في دين اللّه في استيفاء حدوده بل نسوي بين البعيد والقريب والبغيض والحبيب، وكفى برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أسوة حيث قال لو سرقت ‏[‏ص 75‏]‏ فاطمة بنت محمد صلى اللّه عليه وسلم لقطعتها‏.‏ قال ابن حجر كالقرطبي‏:‏ يندب الستر على المسلم ما لم يبلغ الإمام‏.‏

- ‏(‏ه عن عبادة‏)‏ ابن الصامت قال الذهبي‏:‏ إسناده واه جداً، وقال المنذري‏:‏ رواته ثقات إلا أن ربيعة بن ماجد لم يروه عنه إلا أبو صادق‏.‏

1366 - ‏(‏أقيموا الصفوف‏)‏ أي سووها في الصلاة ‏(‏وحاذوا بالمناكب‏)‏ أي اجعلوا بعضها في محاذاة بعض بحيث يصير منكب كل من المصلين مسامتاً لمنكب الآخر فتكون المناكب والأعناق والأقدام على سمت واحد ‏(‏وأنصتوا‏)‏ لقراءة إمامكم ندباً وإن كنتم لا تسمعون قراءته لكون الصلاة سرية أو جهرية وثم مانع كبعد أو لغط على ما يقتضيه هذا اللفظ ووجهه بقوله ‏(‏فإن أجر المنصت الذي لا يسمع‏)‏ قراءة الإمام ‏(‏كأجر المنصت الذي يسمع‏)‏ قراءته، ولا أدري من أخذ بقضية هذا من المجتهدين، فأما مذهب الشافعية فهو إن سمع المأموم قراءة إمامه أنصت له وإلا فلا‏.‏

قال ابن عربي‏:‏ إنما شرعت الصفوف في الصلاة ليتذكر الإنسان بها وقوفه بين يدي اللّه تعالى يوم القيامة في ذلك الموطن المهول والشفعاء من الأنبياء والملائكة والمؤمنين بمنزلة الأئمة في الصلاة يتقدمون الصفوف وصفوفهم في الصلاة كصفوف الملائكة عند اللّه، وقد أمرنا الحق تعالى أن نصطف في الصلاة كما تصف الملائكة وإن كانت الملائكة لا يلزم من خلل صفها - لو اتفق أن يدخلها خلل‏:‏ أعني ملائكة السماء - دخول الشياطين، لأن السماء ليست بمحل لهم وإنما يتراصون لتناسب الأنوار حتى يتصل بعضها ببعض فتنزل متصلة إلى صفوف المصلين فتعمهم تلك الأنوار، فإن كان في صف المصلين خلل دخلت فيه الشياطين أحرقتهم تلك الأنوار‏.‏

- ‏(‏عب عن زيد بن أسلم‏)‏ بفتح الهمزة واللام ‏(‏مرسلاً‏)‏ الفقيه العمري‏.‏ قال ابن عجلان‏:‏ ما هبت أحداً مثله، وقال الأعرج لا يريني اللّه يومه ‏(‏وعن عثمان بن عفان موقوفاً‏)‏ عليه‏.‏

1367 - ‏(‏أقيموا الصفوف فإنما تصفون بصفوف الملائكة‏)‏ جاء بيانه في خبر كيف تصف الملائكة‏؟‏ قال‏:‏ يتمون الصفوف المقدمة ويتراصون ‏(‏وحاذوا‏)‏ قابلوا ‏(‏بين المناكب‏)‏ أي اجعلوا منكب كل مسامتاً لمنكب الآخر‏(‏وسدوا الخلل‏)‏ بفتحتين‏:‏ الفرج التي في الصفوف ‏(‏ولينوا‏)‏ بكسر فسكون من لان يلين ليناً فهو لين‏.‏ ومنه خبر‏:‏ خياركم ألينكم مناكب، فأفعل التفضيل لا يستعمل إلا من ثلاثي ‏(‏بأيدي إخوانكم‏)‏ أي إذا جاء من يريد الدخول في الصف فوضع يده على منكبه لان وأوسع له ليدخل‏.‏ ومن زعم أن معنى لين المنكب السكون والخشوع فقد أبعد ‏(‏ولا تذروا‏)‏ لا تتركوا ‏(‏فرجات‏)‏ بالتنوين جمع فرجة، وهي كل فرجة بين شيئين ‏(‏للشيطان‏)‏ إبليس أو أعم‏.‏ وفيه إيماء إلى منع كل سبب يؤدي لدخوله كما أمر بوضع يده على فيه عند التثاؤب ‏(‏ومن وصل صفاً‏)‏ بوقوفه فيه ‏(‏وصله اللّه‏)‏ برحمته ورفع درجته وقربه من منازل الأبرار ومواطن الأخيار ‏(‏ومن قطع صفاً‏)‏ بأن كان فيه فخرج منه لغير حاجة أو جاء إلى صف وترك بينه وبين من بالصف فرجة بلا حاجة ‏(‏قطعه اللّه‏)‏ أي أبعده من ثوابه ومزيد رحمته، إذ الجزاء من جنس العمل، فيسن انضمام المصلين بعضهم لبعض ليس بينهم فرجة ولا خلل كأنهم بنيان مرصوص‏.‏

قال ابن حجر‏:‏ قد ورد الأمر بتعديل الصف وسد خللّه والترغيب في ذلك في أحاديث كثيرة أجمعها هذا ‏[‏ص 76‏]‏ الحديث‏.‏

- ‏(‏حم د طب عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب وصححه ابن خزيمة والحاكم‏.‏

1368 - ‏(‏أقيموا الصفوف في الصلاة‏)‏ عدلوها وسووها باعتدال القائمين بها‏:‏ من أقام العود إذا قومه‏.‏ ذكره القاضي، قال أبو زرعة‏:‏ والأمر للندب بدليل قوله ‏(‏فإن إقامة الصف من حسن‏)‏ تمام إقامة ‏(‏الصلاة‏)‏ إذ لو كان فرضاً لم يجعله من تمام حسنها لأن حسن الشيء وتمامه أمر زائد على حقيقته التي لا يتحقق إلا بها، وثبت قوله تمام في رواية البخاري لأبي الوقت، وإنما أمر به لما فيه من حسن الهيئة وعدم تخلل الشياطين بينهم وتمكنهم من صلاتهم مع كثرة جمعهم‏.‏ والمراد بالصف الجنس ويدخل فيه استواء القائمين على سمت والتلاصق وتتميم الصفوف المقدمة الأول فالأول‏.‏

- ‏(‏م عن أبي هريرة‏)‏ ورواه عنه البخاري في آخر حديث ولفظه‏:‏ إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه، فإذا ركع فاركعوا، وإذا قال سمع اللّه لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعين، وأقيموا الصف في الصلاة إلى آخره‏.‏

1369 - ‏(‏أقيموا صفوفكم‏)‏ سووها ‏(‏فو اللّه لتقيمن‏)‏ بضم الميم، أصله لتقيمون ‏(‏صفوفكم أو ليخالفن اللّه‏)‏ أي ليوقعن اللّه المخالفة ‏(‏بين قلوبكم‏)‏ قال البيضاوي‏:‏ اللام فيه التي يتلقى بها القسم، وهنا القسم مقدر ولهذا أكده بالنون المشددة، وأو للعطف‏.‏ ردد بين تسويتهم صفوفهم ومن هو كاللازم لنقيضها وهو اختلاف القلوب، فإن تقدم الخارج عن الصف يفوت على الداخل وذلك يجر إلى الضغائن بينهم فتختلف قلوبهم، واختلاف القلوب يفضي إلى اختلاف الوجوه المعبر به في خبر سيجيء بإعراض بعضهم عن بعض وهذا جزاء من جنس العمل كخبر من قتل نفسه بحديدة عذب بها‏.‏ وقال النووي‏:‏ الظاهر أن معناه يوقع بينكم العداوة واختلاف القلوب كما يقال‏:‏ تغير وجه فلان إذا ظهر على وجهه كراهية لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفة في الظواهر واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن اهـ‏:‏ وقال الطيبي‏:‏ الوجه أن المراد باختلاف الوجوه اختلاف الكلمة وتهييج الفتن، ولعله أراد الفتن التي وقعت بين الصحابة اهـ‏.‏ وتسوية الصفوف سنة مؤكدة، وصرفه عن الوجوب الدال عليه الوعيد على تركه الإجماع فهو من باب التغليظ والتشديد تأكيداً أو تحريضاً على فعلها، وفيه جواز الحلف باللّه لغير ضرورة‏.‏

- ‏(‏د عن النعمان بن بشير‏)‏ بفتح الموحدة وكسر المعجمة وبالتحتية، قال‏:‏ فرأيت الرجل يلزق منكبه بمنكب صاحبه وركبته بركبته وكعبه بكعبه‏.‏

1370 - ‏(‏أقيموا‏)‏ سووا ‏(‏صفوفكم‏)‏ أيها الحاضرون لأداء الصلاة معي ‏(‏وتراصوا‏)‏ بضم المهملة المشددة‏:‏ أي تضاموا وتلاصقوا حتى يتصل ما بينكم ‏(‏فإني‏)‏ الفاء للسببية ‏(‏أراكم‏)‏ رؤية حقيقية ‏(‏من وراء ظهري‏)‏ أي من خلفي، بأن خلق اللّه له إدراكاً من خلفه كما يشعر بذلك التعبير بمن الابتدائية، فمبدأ الرؤية من خلف‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ وفيه إشارة إلى سبب الأمر‏:‏ أي إنما أمرت لتحققي منكم خلافه‏.‏ والقول بأنه كان له عينان بين كتفيه كسم الخياط يبصر بهما ولا يحجبهما الثياب متعقب بالرد‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ وفي حديث النعمان عند مسلم أن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم قال ذلك عندما كاد أن يكبر‏.‏ قال القونوي‏:‏ وفي الأحاديث إشعار بأن هذا الحال كان مخصوصاً بالصلاة فإن لم يرد أن هذا الحال كان مستصحباً وذلك لأن حضرة الحق التامة والمحاذاة الكاملة المستلزمة لعموم نور الحق جميع جهاته في الصلاة وأذاعت المقابلة وصححت المحاذاة كمال اكتساب النور‏.‏

- ‏(‏خ ن عن أنس‏)‏ بن مالك قال أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بوجهه ثم ذكره، وفي رواية للبخاري فكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه‏.‏

‏[‏ص 77‏]‏ 1371 - ‏(‏أقيموا صفوفكم‏)‏ باعتدال القائمين بها على سمت واحد وبسد الخلل منها ‏(‏وتراصوا‏)‏ بتشديد الصاد المهملة أي تلاصقوا بغير خلل‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ ويحتمل كونه تأكيداً لقوله أقيموا، والمراد بأقيموا سووا ‏(‏فوالذي نفسي بيده‏)‏ أي بقدرته وفي قبضته ‏(‏إني لأرى‏)‏ بلام الابتداء لتأكيد مضمون الجملة ‏(‏الشياطين‏)‏ أي جنسهم ‏(‏بين صفوفكم‏)‏ يتخللونها ‏(‏كأنهم غنم عفر‏)‏ أي بيض ليس بياضها بناصع، قالوا‏:‏ ومن خصائص نبينا صلى اللّه عليه وسلم الصف في الصلاة كصفوف الملائكة، وفيه جواز القسم بما ذكر أو نحوه من كل ما يفهم منه ذات اللّه تعالى ويكون يميناً أطلق أو نوى اللّه‏.‏ قال الشافعية‏:‏ ولو قال قصدت غيره لم يدين‏.‏

- ‏(‏الطيالسي‏)‏ أبو داود ‏(‏عن أنس‏)‏ بن مالك

1372 - ‏(‏أقيموا الركوع والسجود‏)‏ أي أكملوهما، وفي رواية أتموا ‏(‏فو اللّه إني لأراكم‏)‏ بقوة إبصار أدرك بها ولا يلزم رؤيتنا ذلك وإنما خص نفسه بالذكر ولم يسنده للحق لبعثه شهيداً عليهم وحضاً لهم على مقام الإحسان ‏(‏من بعدي‏)‏ وفي نسخ من بعد ظهري كما يفسره ما قبله‏:‏ يعني بخلق حاسة باصرة فيه وقد انخرقت له العادة بأعظم من ذلك فلا مانع له من جهة العقل وقد ورد به الشرع فوجب قبوله ومن حمله على بعد موتي فقد خالف الظاهر ‏(‏إذا ركعتم وإذا سجدتم‏)‏ حث على الإقامة ومنع عن التقصير فإن تقصيرهم إذا لم يخف على الرسول فكيف يخفى على من أرسله وكشف له وفيه مراعاة الإمام لرعيته والشفقة عليهم وتحذيرهم من المخالفة وحثهم على طاعته‏.‏

- ‏(‏ق عن أنس‏)‏ بن مالك‏.‏

1373 - ‏(‏أقيموا الصلاة‏)‏ أخبر بأقيموا دون صلوا إشارة إلى أن المطلوب أن يكون همك إقامة الصلاة لا وجود الصلاة فما كل مصل مقيم ‏(‏وآتوا الزكاة وحجوا واعتمروا‏)‏ إن استطعتم إلى ذلك سبيلاً ‏(‏واستقيموا‏)‏ دوموا على تلك الطاعة واثبتوا على الإيمان ‏(‏يستقم بكم‏)‏ بالبناء للمفعول‏:‏ أي فإنكم إن استقمتم مع اللّه استقامت أموركم مع الخلق وهذا إشارة إلى طلب قطع كل ما سوى اللّه عن مجرى النظر‏.‏

- ‏(‏طب عن سمرة‏)‏ بن جندب قال الهيثمي وفيه عمران القطان استشهد به البخاري وضعفه آخرون‏.‏

1374 - ‏(‏أكبر الكبائر الإشراك باللّه‏)‏ يعني الكفر‏.‏ وآثر لفظ الإشراك لغلبته في العرف ‏(‏وقتل النفس‏)‏ المحترمة بغير حق ‏(‏وعقوق الوالدين‏)‏ أو أحدهما بقطع صلتهما أو مخالفتهما في غير معصية، قال ابن العربي‏:‏ جعل بر الأصل ثاني التوحيد كما جعله في ضمن حق اللّه في حديث رضى الرب في رضى الوالد، وناهيك بذلك ‏(‏وشهادة الزور‏)‏ أي الشهادة بالكذب يتوصل بها إلى باطل وإن قل، وظاهر التركيب يقتضي حصر الكبائر فيها وليس بمراد بل ذكر الأربعة من قبيل ذكر البعض الذي هو أكبر كما سبق‏.‏ والكفر أكبر مطلقاً ثم القتل والباقي على معنى من‏.‏

- ‏(‏خ عن أنس‏)‏ بن مالك‏.‏

1375 - ‏(‏أكبر الكبائر حب الدنيا‏)‏ لأن حبها رأس كل خطيئة كما يأتي في خبر، فهي أصل المفاسد ولأنها ضرة الآخرة ‏[‏ص 78‏]‏ فمهما أرضيت هذه أغضبت هذه كالمشرق والمغرب مهما قربت من أحدهما بعد زمن الآخر وهما كقدحين أحدهما مملوءاً فبقدر ما يصب في الآخر حتى يمتلئ يفرغ من الآخر، قال الحسن البصري‏:‏ ومن علامة حب الدنيا أن يكون دائم البطنة قليل الفطنة، همه بطنه وفرجه، فهو يقول في النهار متى يدخل الليل حتى أنام ويقول في الليل متى أصبح من الليل حتى ألهو وألعب وأجالس الناس في اللغو وأسأل عن حالهم‏.‏

- ‏(‏فر عن ابن مسعود‏)‏ رمز لضعفه، ووجهه أن فيه حمد بن أبو سهيل قال في الميزان طعن ابن منده في اعتقاده‏.‏

1376 - ‏(‏أكبر الكبائر سوء الظن باللّه‏)‏ فهو أكبر الكبائر الاعتقادية بعد الكفر لأنه يؤدي إليه ‏{‏وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم‏}‏ واللّه تعالى عند ظن عبده به لكن كما يجب على العبد إحسان الظن بربه يجب عليه أن يخاف عقابه ويخشى عذابه، فطريق السلامة بين طريقين مخوفين مهلكين طريق الأمن وطريق اليأس وطريق الرجاء والخوف هو العدل بينهما، فمتى فقدت الرجاء وقعت في طريق الخوف ومتى فقدت الخوف وقعت في طريق الأمن ‏{‏فلا يأمن مكر اللّه إلا القوم الخاسرون‏}‏ فطريق الاستقامة ممتد بينهما، فإن ملت عنه يمنة أو يسرة هلكت، فيجب أن تنظر إليهما جميعاً وتركب منهما طريقاً دقيقاً وتسلكه‏.‏ نسأل اللّه السلامة ‏(‏واعلم‏)‏ أن النفس إذا كانت ذات شره وشهوة غالية فارت بدخان شهواتها كدخان الحريق فأظلمت الصدر فلم يبق له ضوء بمنزلة قمر ينكسف فصار الصدر مظلماً وجاءت النفس بهواجسها وتخليطها واضطربت فظنّ العبد أن اللّه لا يعطف عليه ولا يرحمه ولا يكفيه أمر رزقه ونحو ذلك وهذا من سوء الظن باللّه وصل إلى حال اليأس من الرحمة ووقع في القنوط كفر‏.‏

- ‏(‏فر عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب، رمز المصنف لضعفه، وظاهر صنيعه أن الديلمي أسنده والأمر بخلافه بل بيض له ولم يذكر سنداً وقال ابن حجر في الفتح خرجه ابن مردويه عن ابن عمر يرفعه بسند ضعيف‏.‏

1377 - ‏(‏أكبر أمتي‏)‏ أي من أعظمهم قدراً ‏(‏الذين لم يعطوا فيبطروا‏)‏ أي يطغوا عند النعمة ‏(‏ولم يقتر‏)‏ أي يضيق ‏(‏عليهم‏)‏ في الرزق ‏(‏فيسألوا‏)‏ الناس‏:‏ يعني الذين ليسوا بأغنياء إلى الغاية ولا فقراء إلى الغاية وهم أهل الكفاف والمراد من أكبرهم أجراً لشكرهم على ما أعطوا وصبرهم على الكفاف‏.‏

- ‏(‏تخ والبغوي‏)‏ أبو القاسم ‏(‏وابن شاهين‏)‏ الأنصاري كلاهما في الصحابة من طريق شريك بن أبي عز ‏(‏عن الجذع‏)‏ ويقال ابن الجزع ‏(‏الأنصاري‏)‏ قال أبو موسى لا أدري هو ثعلبة بن زيد أو آخر‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ قلت بل هو غيره‏.‏

1378 - ‏(‏اكتحلوا بالإثمد‏)‏ الحجر المعدني المعروف، وقيل كحل أصبهاني أسود ‏(‏المروح‏)‏ بالبناء للمفعول‏:‏ أي المطيب بنحو مسك كأنه جعل له رائحة بعد أن لم تكن ‏(‏فإنه يجلو البصر‏)‏ أي يزيد نور العين ‏(‏وينبت الشعر‏)‏ أي شعر الأهداب جمع هدب وإنبات شعرها مرمّة للعين لأن الإشعار ستر الناظر ولولاها لم يقو الناظر على النظر، فإنما يعمل ناظر العين من تحت الشعر فالكحل ينبته وهو مرمته وأما جلاء البصر فإنه يذهب بغشاوته وما يتحلب من الماق ومن فضول الدموع والبلة طبيعية ينشفه الإثمد ويمنع الغشاء والغين عن الحدقة‏.‏ قال ابن محمود شارح أبي داود وتحصل سنة الإكتحال بتوليه بنفسه وفعل غيره بأمره، وينشأ عنه جواز الوكالة في العبادة‏.‏ اهـ‏.‏ وأقول القياس الحصول ولو بلا أمر حيث قارنت نيته فعل غيره كما لو وضأه غيره بغير إذنه أولى‏.‏

- ‏(‏حم عن أبي النعمان الأنصاري‏)‏ ‏[‏ص 79‏]‏ لم أره في أسد الغابة ولا في التجريد، والذي فيهما أبو النعمان الأزدي، وأبو النعمان غير منسوب‏.‏ فليحرر‏.‏

1379 - ‏(‏أكثر أهل الجنة البله‏)‏ بضم فسكون‏:‏ أي الغافلون عن الشر المطبوعون على الخير أو الذين خلوا عن الدهاء والمكر وغلبت عليهم سلامة الصدر وهم عقلاء، قال الزبرقان خير أولادنا الأبله العقول وقال‏:‏

ولقد لهوت بطفلة ميالة * بلهاء تطلعني على أسرارها

قال الزمخشري في صفة الصلحاء‏:‏ هينون لينون غير أن لا هوادة في الحق ولا دهانة بله خلان غوصهم على الحقائق يعمر الألباب والأذهان وذلك لأنهم أغفلوا أمر دنياهم فجهلوا حذق التصرف فيها فأقبلوا على آخرتهم فشغلوا بها فاستحقوا أن يكونوا أكثر أهلها‏.‏ وقال الغزالي‏:‏ الأبله البليد في أمور الدنيا لأن قوة العقل لا تفي بعلوم الدنيا والآخرة جميعاً وهما علمان متنافيان‏.‏ فمن صرف عنايته إلى أحدهما قصرت بصيرته عن الأخرى على الأكثر ولذلك ضرب عليّ كرّم اللّه وجهه للدنيا والآخرة ثلاثة أمثلة فقال هما كفتي ميزان وكالمشرق والمغرب وكالضرتين إذا أرضيت إحداهما أسخطت الأخرى، ولذلك ترى الأكياس في علم الدنيا وفي علم الطب والهندسة والحساب والفلسفة جهالاً في أمور الآخرة والأكياس في دقائق علوم الآخرة جهالاً بعلوم الدنيا غالباً لعدم وفاء قوة العقل بهما فيكون أحدهما مانعاً من الكمال في الثاني - ‏[‏إلا في النادر القليل ممن وهبه الله عقلا خارقا ودينا صافيا وقلبا منيرا، والنادر لا حكم له‏.‏ وذلك كله كما قال الغزالي، في الغالب فقط، وهو أيضا بشأن من طلب النبوغ في هذه العلوم، فيضطر لتكريس ذهنه وجميع قواه لذلك، أما بشأن غيره فالأمر بالعكس، حيث يتصف المتمسك بالشريعة والمحب للآخرة بما لا يتصف به غيره من مقومات النجاح الباهر، كالإخلاص في القصد وفي النصح، وكقوة الهمة وتأييد المولى العزيز، كما هو مشاهد بين الصغار والكبار، من المدارس إلى المهن على اختلافها، فليتنبه‏.‏

‏(‏وانظر شرح الحديث 4187‏)‏ دار الحديث‏]‏ -

ولذلك قال الحسن‏:‏ أدركنا أقواماً لو رأيتموهم لقلتم مجانين ولو رأوكم لقالوا شياطين، فمهما سمعت أمراً غريباً من أمور الدين الذين جحده أهل الكياسة أو في سائر العلوم فلا ينفرنك جحودهم عن قبولها إذ من المحال أن يظفر سالك طريق الشرق بما يوجد في الغرب فكذا مجرى أمر الدنيا والآخرة، فالجمع بين كمال الاستبصار في مصالح الدنيا والدين لا يكاد يتيسر إلا لمن سخره اللّه لتدبير عباده في معاشهم ومعادهم وهم الأنبياء المؤيدون بروح القدس، أما قلوب غيرهم فإذا اشتغلت بأمر الدنيا انصرفت عن الآخرة وعكسه اهـ‏.‏

- ‏(‏البزار‏)‏ في مسنده ‏(‏عن أنس‏)‏ وظاهر صنيع المصنف أن البزّار خرّجه ساكتاً عليه والأمر بخلافه بل ضعفه فعزوه له مع حذف ما عقبه به من تضعيفه غير سديد ووجه ضعفه ما قال الهيثمي إن فيه سلامة بن روح وثقه ابن حبان وغيره وضعفه أحمد بن صالح وغيره‏.‏ وقال الزين العراقي في هذا الحديث قد صححه الدارقطني في التذكرة وليس كذلك فقد قال ابن عدي إنه منكر، وسبقه له ابن الجوزي‏:‏ حديث لا يصح وقال ابن عدي حديث منكر، وقال الدارقطني تفرد به سلامة عن عقيل وهو ضعيف‏.‏

1380 - ‏(‏أكثر خرز الدنيا‏)‏ لفظ رواية أبي نعيم‏:‏ أكثر خرز أهل الجنة، وهو كذلك في نسخ ‏(‏العقيق‏)‏ بفتح العين المهملة وقافين أولهما مكسورة بينهما مثناة تحتية‏:‏ أي هو أكثر حليهم الذين يحلون به، ويحتمل أن المراد أنه أكثر خرزها الملقى في عرصاتها بمنزلة الحصى والرمال في الدنيا‏.‏

- ‏(‏حل‏)‏ من حديث محمد بن الحسن بن قتيبة عن عبيد بن الغازي عن مسلم بن عبد اللّه الزاهد عن القاسم بن معين عن أخته أمينة عن عائشة بنت سعد ‏(‏عن عائشة‏)‏ أم المؤمنين هكذا رواه في نسخ ابن الحلية وفي بعضها بدل سالم مسلم بن ميمون الخواص الزاهد، فأما مسلم بن عبد اللّه فقال في الميزان وهاه ابن حبان، قال وله بلايا منها هذا الحديث وقال ابن الجوزي‏:‏ هو كذاب وأما مسلم بن ميمون فعدّه الذهبي من الضعفاء والمتروكين وقال قال ابن حبان بطل الاحتجاج به، وقال أبو حاتم لا يكتب حديثه وقال غيره له مناكير ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه وقال السخاوي طرق العقيق كلها ضعيفة واهية‏.‏

1381 - ‏(‏أكثر خطايا ابن آدم من‏)‏ وفي رواية في ‏(‏لسانه‏)‏ لأنه أكثر أعضائه عملاً وهو صغير جرمه عظيم جرمه، فمن ‏[‏ص 80‏]‏ أطلق عذبة لسانه مرخى العنان ملك به الشيطان في كل ميدان وساقه إلى شفا جرف هار إلى أن يضطره إلى البوار، وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم ولا ينجي من شر اللسان إلا أن يلجم بلجام الشرع‏.‏

- ‏(‏طب هب‏)‏ من حديث أبي وائل ‏(‏عن ابن مسعود‏)‏ قال ارتقى ابن مسعود الصفا فأخذ بلسانه فقال يا لسان قل خيراً تغنم واسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم‏.‏ ثم قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏.‏ فذكره‏.‏ قال المنذري‏:‏ رواة الطبراني رواة الصحيح وإسناد البيهقي حسن وقال الهيثمي رجال الطبراني رجال الصحيح وقال شيخه العراقي إسناده حسن وبذلك يعرف ما في رمز المصنف لضعفه‏.‏

1382 - ‏(‏أكثر عذاب القبر من‏)‏ وفي رواية في ‏(‏البول‏)‏ أي من عدم التنزه منه لأن عدم التنزه منه يفسد الصلاة وهي عماد الدين وأفضل الأعمال وأول ما يحاسب عليه العبد، فعذاب القبر حق عند أهل السنة وهو ما نقل متواتراً فيجب اعتقاده ويكفر منكره‏.‏ وقال الولي العراقي‏:‏ وإنما كان أكثر عذاب القبر منه دون غيره من النجاسات لأن وقوع التقصير فيه أكثر لتكرره في اليوم والليلة، ويحتمل أن يقال نبه بالبول على ما سواه فجميع النجاسات في معناه‏.‏ اهـ‏.‏ وفيه وجوب إزالة النجاسة لأن الوعيد لا يكون إلا على الواجب بل على كبيرة‏.‏

- ‏(‏حم ه ك‏)‏ في الطهارة ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ قال الضياء المقدسي سنده حسن‏.‏ قال مغلطاي‏:‏ وما علم أن الترمذي سأل عنه البخاري فقال حديث صحيح‏.‏ اهـ‏.‏ وقال الحاكم على شرطهما ولا أعلم له علة‏.‏ قال المنذري وهو كما قال وأقره الذهبي‏.‏

1383 - ‏(‏أكثر ما أتخوف على أمتي من بعدي رجل‏)‏ أي الافتتان برجل زائغ ‏(‏يتأول القرآن‏)‏ أي شيئاً من أحكامه أو غيرهما بتأويل باطل بحيث ‏(‏يضعه على غير مواضعه‏)‏ كتأويل الرافضة ‏{‏مرج البحرين يلتقيان‏}‏ أنهما علي وفاطمة ‏{‏يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان‏}‏ الحسن والحسين، وكتأويل بعض المتصوفة ‏{‏من ذا الذي يشفع عنده‏}‏ أن المراد من ذي يعني النفس، وتأويل المبتدعة مسطورة مشهورة فليراجعه من أراد ‏(‏ورجل يرى أنه أحق بهذا الأمر من غيره‏)‏ يعني الخلافة، وهناك من هو مستجمع لشروطها وليس بمستجمع لها فإن فتنته شديدة لما يسفك بسببه من الدماء وينهب من الأموال ويستباح من الفروج والمحارم‏.‏

- ‏(‏طس عن عمر‏)‏ ابن الخطاب وكلامه يوهم أنه غير معلول وليس بمقبول، فقد أعله الهيثمي بأن فيه إسماعيل بن قيس الأنصاري وهو متروك‏.‏

1384 - ‏(‏أكثر منافقي أمتي قراؤها‏)‏ أي الذين يتأولونه على غير وجهه ويضعونه في غير مواضعه أو يحفظون القرآن تقية للتهمة عن أنفسهم وهم معتقدون خلافه، فكان المنافقون في عصر النبي صلى اللّه عليه وسلم بهذه الصفة‏.‏ ذكره ابن الأثير‏.‏ وقال الزمخشري‏:‏ أراد بالنفاق الرياء لأن كلاً منهما إرادة ما في الظاهر خلاف ما في الباطن‏.‏ اهـ‏.‏ وبسطه بعضهم فقال‏:‏ أراد نفاق العمل لا الاعتقاد، ولأن المنافق أظهر الإيمان باللّه للّه وأضمر عصمة دمه وماله‏.‏ والمرائي أظهر بعلمه الآخرة وأضمر ثناء الناس وعرض الدنيا، والقارئ أظهر أنه يريد اللّه وحده وأضمر حظ نفسه وهو الثواب ويرى نفسه أهلاً له وينظر إلى عمله بعين الإجلال فأشبه المنافق واستويا في مخالفة الباطن‏.‏

قال الغزالي‏:‏ أحذر من خصال القراء الأربعة‏:‏ الأمل والعجلة والكبر والحسد قال وهي علل تعتري سائر الناس عموماً والقراء خصوصاً، ترى القارئ يطول الأمل فيوقعه في الكسل وتراه يستعجل على الخير فيقطع عنه، وتراه ‏[‏ص 81‏]‏ يحسد نظراءه على ما أتاهم اللّه من فضله فربما يبلغ به مبلغاً يحمله على فضائح وقبائح لا يقدم عليها فاسق ولا فاجر ولهذا قال النووي‏:‏ ما أخاف على ذمي إلا القراء والعلماء فاستنكروا منه ذلك، فقال ما أنا قلته وإنما قاله إبراهيم النخعي‏.‏ وقال عطاء‏:‏ احذروا القراء واحذروني معهم فلو خالفت أودهم لي في رمانة أقول أنها حلوة ويقول إنها حامضة ما أمنته أن يسعى بدمي إلى سلطان جائر‏.‏ وقال الفضيل لابنه‏:‏ اشتروا داراً بعيدة عن القراء‏.‏ ما لي والقوم إن ظهرت مني زلة قتلوني وإن ظهرت علي حسنة حسدوني‏!‏ ولذلك ترى الواحد منهم يتكبر على الناس ويستخف بهم معبساً وجهه كأنما يمن على الناس بما يصلي زيادة ركعتين أو كأنما جاءه من اللّه منشور بالجنة والبراءة من النار أو كأنه استيقن السعادة لنفسه والشقاوة لسائر الناس ثم مع ذلك يلبس لباس المتواضعين ويتماوت وهذا لا يليق بالتكبر والترفع ولا يلائمه بل ينافيه لكن الأعمى لا يبصر‏.‏

- ‏(‏حم طب هب عن ابن عمرو‏)‏ بن العاص قال في الميزان إسناده صالح ‏(‏حم طب عن عقبة بن عامر طب عد عن عصمة بن مالك‏)‏ قال الحافظ العراقي فيه ابن لهيعة، وقال الهيثمي أحد أسانيد أحمد ثقات سند الطبراني فيه الفضل بن المختار ضعيف‏.‏

1385 - ‏(‏أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء اللّه وقدره بالعين‏)‏ وفي رواية بالنفس وفسر بالعين، وذلك لأن هذه الأمة فضلت باليقين على سائر الأمم فحجبوا أنفسهم بالشهوات فعوقبوا بآفة العين، فإذا نظر أحدهم بعين الغفلة كانت عينه أعظم والذم له ألزم ‏{‏قل إن الهدى هدى اللّه أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم‏}‏ فلما فضلهم اللّه باليقين لم يرض منهم أن ينظروا إلى الأشياء بعين الغفلة وتتعطل منة اللّه عليهم وتفضيله لهم‏.‏ ذكره الحكيم‏.‏

- ‏(‏الطيالسي‏)‏ أبو داود ‏(‏تخ والحكيم‏)‏ الترمذي ‏(‏والبزار‏)‏ في مسنده والضياء في المختارة كلهم عن جابر بن عبد اللّه قال الحافظ في الفتح سنده حسن وتبعه السخاوي وقال الهيثمي بعد ما عزاه للبزار رجاله رجال الصحيح خلا طلب ابن حبيب ابن عمرو وهو ثقة‏.‏

1386 - ‏(‏أكثر الناس ذنوباً‏)‏ وفي رواية أكثرهم خطايا ‏(‏يوم القيامة‏)‏ خصه لأنه يوم وقوع الجزاء وكشف الحقائق ‏(‏أكثرهم كلاماً فيما لا يعنيه‏)‏ أي شغله بما لا يعود عليه نفع أخروي، لأن من كثر كلامه كثر سقطه وجازف ولم يتحر فتكثر ذنوبه من حيث لا يشعر وفي حديث معاذ‏:‏ وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم وفي خبر الترمذي مات رجل فقيل له أبشر بالجنة فقال المصطفى صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم أولا تدري فلعله كان يتكلم فيما لا يعنيه أو يخل بما يعنيه، والإكثار من ذلك عده القوم من الأغراض النفسانية والأمراض القلبية التي التداوي منها من الفروض العينية‏.‏ وعلاجه أن يستحضر أن وقتك أعز الأشياء عليك فتشغله بأعزها وهو الذكر وفي ذكر يوم القيامة إشعار بأن هذه الخصلة لا تكفر عن صاحبها بما يقع له من الأمراض والمصائب‏.‏

- ‏(‏ابن لال‏)‏ أبو بكر ‏(‏وابن النجار‏)‏ في تاريخه ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ ورواه ‏(‏السجزي في‏)‏ كتابه ‏(‏الإبانة‏)‏ عن أصول الديانة ‏(‏عن عبد اللّه بن أبي أوفى‏)‏ بفتح الهمزة والواو ‏(‏حم في الزهد‏)‏ أي في كتاب الزهد ‏(‏عن سلمان‏)‏ الفارسي الأسلمي عظيم الشأن من أهل بيعة الرضوان ‏(‏موقوفاً‏)‏ عليه، رمز المصنف لضعفه وفيه كلامان الأول أنه قد انجبر بتعدد طرقه كما ترى، وذلك يرقيه إلى درجة الحسن بلا ريب وقد وقع له الإشارة إلى حسن أحاديث هذا الكتاب أوهى إسناداً ‏[‏ص 82‏]‏ من هذا بمراحل لاعتضاده بما دون ذلك، الثاني أن له طريقاً جيدة أغفلها، فلو ذكرها واقتصر عليها أو ضم إليها هذا لكان أصوب، وهي ما رواه الطبراني بلفظ‏:‏ أكثر الناس خطايا يوم القيامة أكثرهم خوضاً في الباطل‏.‏ اهـ‏.‏ قال الهيثمي ورجاله ثقات‏.‏ اهـ والخلف لفظي بين الحديثين عند التدقيق، فضربه عن الطريق الموثقة وعدوله إلى المعللة ورمزه لتضعيفها من ضيق العطن كما لا يخفى على ذوي الفطن‏.‏

1387 - ‏(‏أكثر من أكلة كل يوم سرف‏)‏ تمامه عند مخرجه البيهقي‏:‏ واللّه لا يحب المسرفين‏.‏ اهـ‏.‏ وذلك لأن الأكلة فيه كافية لما دون الشبع، وذلك أحسن لاعتدال البدن وأحفظ للحواس الظاهرة والباطنة‏.‏ ومن علامات الساعة ظهور السمن في الرجال، وما ملأ آدمي وعاء شر من بطنه، وما دخلت الحكمة معدة ملئت طعاماً والمؤمن يأكل في معاء واحد والكافر في سبعة‏.‏ وقال الحسن البصري‏:‏ وددت أني أكلت أكلة من حلال فصارت في جوفي كالأجرة فإنه بلغني أنها تقيم في الماء ثلاث مئة سنة‏.‏ وأخرج ابن الأنباري أن ابن العاص قال لمعاوية يوم الحكمين‏:‏ أكثروا لهم من الطعام فإنه واللّه ما بطن قوم إلا فقدوا عقولهم وما مضت عزمة رجل قط بات بطيناً‏.‏